أبرشية الروم الأرثوذكس في جبل لبنان
قداسة
المؤمن هي ثمرة تجسّد ابن الله وتعبير عنه وانعكاس له. فقد صار هو مثلنا
لنصير نحن مثله. باستلهام مثاله ومثال القدّيسين في الأحد الذي نعيّد فيه
لجميع القدّيسين، يمكننا أن نأخذ صورة واقعيّة عن القداسة. ههنا بعض ما
تعنيه القداسة من مسلكيّة متعدّدة الأشكال.
أن
تسمع وتصغي. هذا مؤدّاه أن تفرغ ذاتك لتكون جاهزًا للاستماع إلى الآخر. أن
تأخذه على محمل الجدّ. أن تحترمه وتكرّمه حقّ قدره، أي بالمقدار الذي
يكرّمه به المسيح. في السياق عينه، يعني أن تتعلّم أن تصغي إلى الله الذي
يكلّمنا بوسائل شتّى ليكشف لنا عن إرادته ومحبّته.
أن
تتكلّم بحيث يأتي الكلام انعكاسًا لتبنّيك البناء الذي شاءه الله مسكنًا
له، بناء غير مصنوع بالأيدي، أن يكون الإنسان مستودعًا للروح القدس وإناء
له. أن تخاطب الآخر هو أن تحسن أن تخاطب الله بشأنه، فتضع رباط المحبّة
ومشيئة الله إطارًا تتحرّك فيه رغبتك ومشيئتك. الصلاة ومخاطبة الآخرين لها
مرمى أخير واحد وهو تقديس النفوس وتعزيز الوفاق والثبات على الإيمان بالابن
المتجسّد وبالآب الذي أرسله.
أن
تعمل بحيث تأخذ على عاتقك جزء المسؤوليّة من جرّاء موقع الخدمة أو
الالتزام الذي اتّخذته على عاتقك أو فرضتْه عليك الأحداث والظروف، بحيث
تسعى إلى أن يكون عملك متوافقًا مع إرادة الله وتعبيرًا عن محبّتك لله
وللقريب.
أن
تسلك وتتصرّف بحيث تكون أفعالك وأقوالك ترجمة لإيمانك، من دون انفصال بين
القول والفعل، أي من دون رياء. فالإيمان بالمسيح، يعني أن أؤمن بالمسيح
العفيف وبالمسيح الخادم، بالمسيح المتواضع....، الأمر الذي يدعوني إلى أن
أمارس العفّة، وأن أخدم وأن أتّضع كما أعطانا الربّ مثالًا في ذاته.
أن
تحبّ بحيث تعطي ذاتك، فتبكي مع الباكين وتفرح مع الفرحين، وتعطي نفسك لله
وللقريب بحسب الوصيّة الإلهيّة. هذا الحبّ يترافق والمعاناة، لأنّك لستَ
كاملًا، والآخرون ليسوا كاملين أيضًا، لأنّك ضعيف وأنانيّ ولا تدرك مشيئة
الله. السعي إلى المحبّة هو غاية القداسة.
هذه
العناصر تبلور روح الإنسان على حسب روح الله، الذي يلمسنا ويلمس عبرنا
الوجود كلّه، ليقدّسه ويهديه ويقوده إلى ينابيع الحياة. فهذا الروح يصغي
إلى أنين الكائنات العقليّة والحيّة والجامدة. وهو الذي يتكلّم ويمنح الفهم
والحكمة والتمييز. وهو الذي يعمل إرادة الآب بين البشر ويرشدهم إلى ما
أوصى به المسيح، ويقود البشريّة إلى يوم يأتي الابن ثانيةً بمجد أبيه. وهو
الذي يعزّي المؤمن في المخاض الذي يصيبه في ولادة الإنسان الجديد فيه
وولادة معالم الملكوت بيننا حيث العدل والمحبّة والسلام والوداعة. إنّه روح
الله الذي نتمثّله كلّ يوم في حياتنا. فمتى استقرّ فينا، يمكننا أن نلمس
قداسة الله في كلّ شيء.
هل
القداسة ممكنة اليوم؟ نعم، إن التزمنا أن نتعلّم التواضع والوداعة، كما
طلب منّا يسوع أن نفعل: «تعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا
راحة لنفوسكم» (متّى ١١: ٢٩). فلا نخشَيَنّ طلب هذه الراحة التي تأتي بحمل
صليب الالتزام، أي بالجهاد والتعب وغصب الذات والانطلاق كلّ حين، ولو من
القعر أو الحضيض، فالربّ يكافئ كلّ واحد بعدالة ورحمة إلهيّتَين.
سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
الرسالة: عبرانيّين ١١: ٣٣-٤٠ و١٢: ١-٢
يا
إخوة إنّ القدّيسين أجمعين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا
المواعد وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف
وتقوّوا من ضعف، وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت
نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا
بالنجاة ليحصلوا على قيامة فضلى، وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا
والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم
ومعزٍ وهم مُعوَزون مُضايَقون مَجهودون، ولم يكن العالم مستحقًّا لهم،
فكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم،
مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل
أن لا يَكْمُلوا بدوننا. فنحن أيضًا إذ يُحدِقُ بنا مثلُ هذه السحابة من
الشهود فلنُلْقِ عنّا كلّ ثقلٍ والخطيئةَ المحيطةَ بسهولة بنا، ولنُسابق
بالصبر في الجهاد الذي أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع.
الإنجيل: متّى ١٠: ٣٢-٣٣ و٣٧-٣٨ و١٩: ٢٧-٣٠
قال
الربّ لتلاميذه: كلّ من يعترف بي قدّام الناس أَعترف أنا به قدّام أبي
الذي في السماوات. ومن يُنكرني قدّام الناس أُنكره أنا قدّام أبي الذي في
السماوات. من أحبَّ أبًا او أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني، ومن أَحبّ ابنًا
أو بنتًا أكثر منّي فلا يستحقّني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا
يستحقّني. فأجاب بطرس وقال له: هوذا نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك، فماذا
يكون لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقّ أقول لكم إنّكم أنتم الذين تبعتموني في جيل
التجديد، متى جلس ابنُ البشر على كرسيّ مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني
عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكلّ من ترك بيوتا أو إخوة
أو أخوات أو أبًا أو أمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ
مئة ضعف ويرث الحياة الأبديّة. وكثيرون أَوَّلون يكونون آخِرين وآخِرون
يكونون أوّلين.
Δεν υπάρχουν σχόλια:
Δημοσίευση σχολίου